-A +A
فريدة صالح شطا
كثيرة هي الأمور التي تحدث لنا وتحدث حولنا، منها ما يثير إعجابنا ومنها ما يثير تعجبنا أو رفضنا لها.. ونحاول أحياناً إيجاد رابط بين بعض هذه الأمور، نصيب مرة ونخطئ مرة أخرى. في الأسابيع الماضية اعتقدت خلالها وجود رابط بين بعض الأمور، رغم الاختلاف الذي يبدو، وقبل أن أدخل في متاهة التحليل الفلسفي الذي لن أستطيع الخروج منه، أعرضها.. فهي أمور عامة يراها ويلمسها الجميع.
برغم ما نراه من تطور في أسلوب حياتنا إلا أنه في بعض الأحيان لا يمس إلا الظاهر.. المباني الحديثة، السيارات الفارهة، ملابس بعلامات عالمية "الماركات" لكن عند البعض الاهتمام بهذه الأشياء وحتى الحصول عليها لا يؤثر إلا في السطح ولا يتعمق داخل النفس وبالتالي فلا ينعكس هذا التمدن الظاهري على السلوك، والأمثلة كثيرة ولا تنتهي ـ منها مثلاً ما نراه مراراً وتكراراً خاصة عندما نتوقف في زحام المرور المزمن "الذي كان موسمياً"، فنشاهد من يستقل سيارة فخمة يفتح النافذة ليلقي ببقايا العلب أو المناديل ويتكرر الفعل نفسه من الشخص نفسه أكثر من مرة، وكلما طال الانتظار في الإشارة زاد عدد مرات الإلقاء من النافذة.

أما السلوك الأخطر فهو ردة فعل سائقي السيارات عند سماع منبه سيارة الاسعاف، ولو أنني أعتقد أن المسؤولية تقع على أطراف أخرى كثيرة.. إن الذي يحدث هو أنه لا يحدث شيء، فالجميع مستمرون في طريقهم برغم سماعهم لصوت سيارة الإسعاف.. وسائقها يزعق بالمنبه وبالمايكروفون مطالباً بإفساح الطريق، لكن لا حياة لمن تنادي.. ولا أعلم إن كان من ضمن شروط منح رخص القيادة الإلمام بواجبات الطريق وأهمها حقوق سيارة الإسعاف وسيارة الإطفاء؟! هل هو عدم وعي أو جهل بالواجبات؟ ولماذا لا تخصص مسارات لسيارات الإسعاف والإطفاء لا يسمح للسيارات العادية باستخدامها؟ لماذا لا تمنح لجندي المرور صلاحية إغلاق جميع الإشارات لافساح المجال للإسعاف بالمرور؟ وإن كنت أبدو مدافعة عما يتعرض له سائق الإسعاف من ضغط عصبي خلال عمله وما يواجهه من سلبية المواطنين فإنني في المقابل أرجو منه أن يقصر استعمال المنبه فقط حين يكون في السيارة مريض فعلاً!!
تزامن مع إعدادي لهذا الموضوع حدثان آخران: الأول هو عقد ورشة عمل بإشراف الأخت الكريمة د. فاتنة شاكر مع أكاديميات من جامعة أم القرى تحت عنوان "بناء الوعي"، واطلعت على البرنامج الذي تكرمت بإعطائه لي، ولأنه عبارة عن عناوين للتفاصيل التي جرت في الورشة فلا أظن أنني قادرة على شرحه بشكل متكامل وأورد بعض العبارات وفق ما فهمت من الأوراق:
ـ يرجع التفسير العام للسلوكيات السلبية إلى التعود والعادات إلا أنها في حقيقة الأمر ترتبط بالوعي الفردي والجماعي.
ـ أنجح وسائل التعليم أن يعبر المسؤول بلغته وسلوكه عن القيم التي يريد ايصالها للآخرين.
ـ يتطور الأداء للشخص بالتدريب المستمر ليصبح بناء الوعي وتطبيقه عملية حياتية مستمرة مما يمكن الفرد من الرؤية الواضحة الصحيحة للأمور.
ـ الوعي هو توجيه الإنسان ككل للتعامل على أفضل مستوى مع مستجدات بيئته.
ـ تنمية الوعي يعني كشف الغطاء عن ارتباط نمط التفكير والسلوك بالمعايير الثقافية التقليدية ومن هنا يكون القرار بما يحتفظ به وبما يحتاج إلى تطوير.
هذا كان اختصارا أتمنى ألا يكون بتراً لبرنامج سعادة د. فاتنة شاكر وانتقل منه إلى حدث أخير مهم وهو انشاء الموقع الالكتروني للرابطة العالمية للتربويات الذي ترأسه الأخت فريدة فارسي، وتهدف الرابطة إلى تأصيل مفاهيم التربية الصحيحة لدى المربيات وارساء قواعد تطبيق المبادئ الأصلية للتربية والمناسبة للعصر، توثيق الصلة بين العاملات في حقل التربية وتبادل الخبرات في هذا المجال عالمياً، التواصل مع الجهات الرسمية لوضع التوصيات حيز التنفيذ، وأخيراً نشر أُسس التربية القويمة في جميع المجالات بين الناشئة. ومن جهتي أسعدني استخدام كلمة تربويات، فالتربية الصحيحة مردودها ايجابي لطرفي التعليم؛ المعلم والتلميذ.
الأمر الأخير هو إقامة معرض للكتاب في مركز حي الشاطئ للسيدات، ويقدم هذا المركز خدمات عدة لسكان الحي كعقد ندوات ودورات، كما توجد به لجنة لإصلاح ذات البين ونرجو أن تتسع دائرة اهتمامات المركز وغيره من المراكز لخدمة الأحياء ونشر الوعي من خلال ما يقدمه، وهذا بالطبع يحتاج إلى الدعم المادي والبشري.
في الختام أتمنى أن أكون قد وُفقت في رؤيتي للربط بين كل ما ذكرت.. فالسلوكيات السلبية التي جاءت في بداية الموضوع تدل على انعدام الوعي بينما يشير الحراك الفكري في الجزء الاخير على ظهور الأمل في بناء الوعي وايجاده.